العلاقة بين الوالدين من أهم العوامل التي ترسم ملامح شخصية الطفل

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

 

العلاقة بين الوالدين من أهم العوامل التي ترسم ملامح شخصية الطفل

تعد العلاقة بين الوالدين من أهم العوامل التي ترسم ملامح شخصية الطفل في المستقبل وتربي فيه القيم والمباديء المرجوة، لذلك لزم إيلاء هذه العلاقة ما يلزمها من عناية واهتمام حتى تثمر سمتا وسلوكا فيمتح الإبن من معينها عناصر الاستقامة والصلاح. فما هي أسس العلاقة السليمة بين الوالدين؟ وما هي آثارها على الأبناء؟

المودة والرحمة

يقول الله عز وجل في محكم تنزيله: ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” [1].
الرحمة خلق نبيل وعمل قلبي طيب، نابع من استشعار كرم الله وفضله فتتشبه باسم من أسمائه الحسنى متمثلا في رقة القلب ورهافة الشعور وإحساس بالآخر وسعي وراء قضاء حاجات الناس وإسعادهم، هذا السعي الذي يولد المودة والمحبة بين عباد الله.
إن شعورا كهذا لهو الذي ينبغي أن يسود بين الزوجين مجسدا في الابتسامة المشرقة والعبارات المشبعة بالحب والحنان والأفعال الرحيمة. قال ابن القيم رحمه الله واصفا خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه: “كا** سيرته مع أزواجه حسن العشرة، وحسن الخلق. وكان يسرب إلى عائشة بنات الأنصار يلعبن معها. وكا** إذا هويت شيئا لا محذور فيه تابعها عليه. وكا** إذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه في موضع فمها وشرب”[2].
لا يمكن لبيت كا** هذه ملامحه إلا أن ينجب أبناءا مستقرين نفسيا متكاملين عاطفيا تكاملا ينشيء أطفالا يحبون فيحبون، يرحمون فيرحمون. لأنهم تشربوا ذلك من نسمات الرحمة والحب المنبعثة من أقوال وأفعال الأبوين. هكذا تكون التربية بالفطرة على استمرار الفطرة. ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏رضي الله عنه ‏قال‏: ‏قال النبي ‏‏صلى الله ‏عليه وسلم:‏ “‏كل مولود‏ يولد على الفطرة‏ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” [3].

الصدق والإخلاص

الصدق ضد الكذب والإخلاص ينافي الخيانة والنفاق. والزوجان السعيدان من يصدق أحدهما الآخر فيكون حريصا على نفعه وما به صلاحه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير ما يكنزه الرجل المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته” [4].. إن من مقتضيات الصدق والإخلاص أن ينبئ كل واحد منهما صاحبه بالمشاعر الطيبة والتوجيه السليم الحكيم ولاتخالف أفعاله أقواله، لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، وهذا أهم رافد من روافد الثقة المتبادلة والقدوة الصالحة.
إن الطفل الذي يرى أباه صادقا في أقواله مع أمه ويرى من أمه ما ذكره الحديث السالف يكون قد ترعرع في كنف الصدق ولن يصدر عنه إلا القول الصادق والفعل اللائق. ومن طرائف ما يروى في تعويد الصالحين أولادهم على الصدق ومعاهدتهم عليه هذه القصة: يقول الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله: “بنيت أمري – من حين نشأت – على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم، فأعطتني أمي أربعين دينارا أستعين بها على النفقة، وعاهدتني على الصدق، فلما وصلنا أرض همدان خرج علينا جماعة من اللصوص، فأخذوا القافلة، فمر واحد منهم وقال لي: ما معك؟ قلت: أربعون دينارا، فظن أني أهزأ به فتركني، فرآني رجل آخر، فقال: ما معك؟، فأخبرته بما معي، فأخذني إلى كبيرهم، فسألني فأخبرته، قال: ما حملك على الصدق؟ قلت: عاهدتني أمي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها. فأخذت الخشية رئيس اللصوص، فصاح ومزق ثيابه، وقال: أ** تخاف أن تخون عهد أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله؟ ثم أمر برد ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائب لله على يديك، فقال من معه: أ** كبيرنا في قطع الطريق، وأ** اليوم كبيرنا في التوبة، فتابوا جميعا ببركة الصدق”[5].
لذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب “أمام” الأطفال ولو بقصد الإلهاء والترغيب أو الممازحة حتى لايعتادوا على ذلك ويألفوه، فعن عبد الله ابن عامر رضي الله عنه قال: دعتني أمي يوما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أردت أن تعطيه؟ ” قالت أردت أن أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبه” [6]

التعاون والتشاور

الأسرة ليست فردا يعيش وحده ولا شخصان يسعيان وراء إشباع لذة زائلة أو إنجاب الكم الغثاء بل مؤسسة ت**ج ومشروع يستثمر لتخريج رجال القومة والإصلاح وطليعة الخير والفلاح. لذلك فإن هذه المؤسسة بهذا الحجم من الا**ظارات تشبه السفينة التي تحتاج إلى طاقم متكامل الأدوار يستشير بعضهم الآخر قبل اتخاذ القرار. فالزوج الرجل وهبه الله من فضله ما ميزه به عن المرأة فهو سيد في تخصصه والزوجة المرأة أعطاها الله تعالى من المميزات ما يعجز عن الإتيان بمثله الرجل، فهي سيدة ميدانها. لكنهما اجتمعا برابط الزوجية ليكمل بعضهما الآخر حيث لا يلغي أحدهما صاحبه بدعوى “الدرجة”. قال الأستاذ عبد السلام ياسين: “لكن ما مضمون الدرجة؟ أهي براءة تمنح للرجل وتفويض لكي يدوس المرأة تحت قدميه أم هي مسؤولية رعاية أمينة وقيادة رحيمة”[7].
إن التعاون والتشاور شمة الصادقين الذين اقتحموا عقبة الأنانيات المستعلية والعادات الجارفة فأيقنوا أن الإنسان كنز من كنوز الله تعالى ولا يحتكر ذلك الكنز جنس دون غيره، ولو كان الأمر غير ذلك لما استشار النبي صلى الله عليه وسلم إحدى زوجاته في أصعب المواقف، حيث أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قضية الكتاب – يوم صلح الحديبية – قال لأصحابه “قوموا فانحروا ثم احلقوا” فما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: “يا رسول الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك” فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما.
هذه القصة ومثيلاتها تشير إلى أهمية التشاور والتكامل والتعاون بين الزوجين دون استصغار لأحدهما. والطفل الذي يعيش في جو يسوده تقدير المواقف وإتاحة الفرصة للتعبير وإن بالتصويب والتوجيه، ينشأ – دون ريب – طفلا واثقا يعتمد على نفسه محبا للتعاون، بل يتجاوز بسهولة العقبة النفسية – التي يعانيها كثير من أطفالنا اليوم – فيستشير والديه في قضاياه الخاصة لأنه تربى في وسط يتقبل الأفكار ويناقشها في حوار تربوي هاديء يسدي النصح ويعين على الفعل الصحيح.
لقد شرع الإسلام مؤسسة الزواج باعتبارها مشروعا لتخريج من يفتخر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك أناط بالوالدين مهمة التربية وإعطاء القدوة من أنفسهم ليسعدوا ويسعدوا الأمة بالنوع بدل الكم وبالجواهر بدل الجماهير. فهل يتمكن الوالدان من تجاوز عقبات العادة وضعف الإرادة؟ أم هل يخترقا ضيق أفق أصحاب الفقه المنحبس من المترهبين من جهة، وتسيب دعاة التغريب والانسلاخ عن الدين من وكلاء الاستعمار ووكيلاته من جهة ثانية، لينهلا من أنوار القرآن والسنة مباشرة متجاوزين حجب الزمان والمكان؟

 

‫0 تعليق

اترك تعليقاً