إبني.. أنت ذو قلب رققيق

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

لا زال حديثنا أيها الآباء الفضلاء عن عنف الأطفال وكيفية علاج عدوانهم، تلك الظاهرة التي تعاني منها الكثير من الأسر، وفي هذا المقال نحاول عن نعطي حلولاً عملية أخرى للمساهمة في علاج عدوانية الأطفال.
ضع قانونًا لمشاهدة التلفاز:
(يميل عدد قليل جدًّا من الآباء إلى التخلي تمامًا عن التلفزيون, وأولئك تشعر أنهم سعداء بهذا القرار، ولن يشعر الأطفال الذين لم تتكون لديهم عادة مشاهدة التلفزيون بأي اشتياق لرؤيته, ويشغلون أيامهم بأكملها بأنشطة أخرى.
وكثيرًا ما يعتقد الأهل أن التليفزيون يجعل حياتهم أكثر يسرًا، من حيث أنه يجعل الأبناء مشغولين عنهم لفترات طويلة, على أننا إذا تدبرنا مقدار الوقت الذي ينقضي في مناقشة مقدار ما يجب على الأطفال مشاهدته، وما يمكنهم أولاً مشاهدته, أضف إلى ذلك مقدار المشاحنات المرتبطة بنهي الأطفال عن مشاهدة التلفزيون حتى يتمكنوا من إنجاز الواجبات المدرسية والأعمال المنزلية؛ فستجد أن الأسهل من ذلك كله العيش بدون تلفزيون على الإطلاق.
أما إذا كنت من الأغلبية التي اختارت أن تتعايش مع التليفزيون؛ فإن أهم ما عليك عمله هو أن تتحكم جيدًا في الأمر, فإن كان هناك جهاز في غرفة نوم الطفل فقم بإخراجه وضعه في مكان مفتوح، بحيث يمكنك مراقبة ما يعرض, ومقدار ما يشاهده الطفل بسهولة.
وهناك وسيلة جيدة للتعامل مع الدعاوى غير السليمة التي يبثها التليفزيون، وذلك بأن تشاهد التلفزيون معهم وتساعدهم على أن تصبح لديهم القدرة على التمييز والنقد لما يشاهدونه, ويمكنك التعليق على ما إذا كان ما شاهدتموه لتوكم معًا يحمل أي تشابه مع العالم الواقعي, عندما تشاهد لتوك معركة يقوم فيها أحدهم بتلقي لكمة قوية، ثم يمضي وهو يهز كتفيه بلا مبالاة، فعندئذ يمكنك أن تقول: (إن تلك اللكمة من شأنها أن تؤلم ألمًا شديدًا أليس كذلك؟ إن التلفزيون يختلف تمامًا عما يحدث على أرض الواقع أليس كذلك؟)، وهذا من شأنه أن يُعلِّم الطفل التعاطف مع الضحية، بدلاً من محاولة التمثل بالمتعدي) [دليل د. سبوك لرعاية الطفل, د.بنجامين سبوك, ص(465-466)].
فعليك ـ عزيزي المربي ـ أن تضع قانونًا لمشاهدة التلفاز حتى تحفظ طفلك من أن يتعلم السلوك العدواني من البرامج المعروضة، وأهم بنود هذا القانون:
·ما هو الوقت المستقطع للتلفاز؟
·ما هي البرامج المسموح مشاهدتها؟
·أهمية وجودك معه أثناء المشاهدة.
·وضع التلفاز في مكان عام لا في غرفة النوم.
لن يعيش الأطفال مشاكلنا:
(لا يخلو بيت من خلافات بين أفراده، وعلى رأس هذا البيت قطباه وعماده الأب والأم، وهما باعتبارهما بشرًا فلكل واحد منهما شخصيته وثقافته التي شكلت عاداته وخلفياته ومن حق كلٍّ منهما أن يُعبِّر عن نفسه، وإن أفرز هذا التعبير اختلافات قد تصل إلى حد المشاجرات والمشاحنات.
ومن الغريب أن نعرف أن الخلاف الصامت الذي يحاول الوالدان إخفاءه ظاهريًّا عن الأبناء، أشد تأثيرًا على الأبناء من الخلاف الصاخب؛ فقد عزت بعض الآراء العلمية الحديثة أحد أسباب الإصابة بمرض الربو في سنوات الطفولة الأولى، إلى الخلاف المكتوم بين الأبوين، الذي يستشعره الطفل وإن كان خافيًا.
وماذا نفعل؟
الأمر ببساطة: أن نُشمِّر لنتعلم جميعًا فنون إدارة الخلاف، فكما أنَّ الطفل بحاجة لتماسك العلاقة بين والديه، ويحتاج انسجامهما في مواجهة مسئوليات الحياة, فهو أيضًا يحتاج إلى حنكة والديه في إدارة الخلافات الأسرية بينهما بما يعني موازنة ضبط الأمر بين إطلاع الطفل على حقائق الحياة، وبين إشعاره بالأمان والاستقرار والتماسك.
فالطفل يتعلم مما يشاهد من الإدارة الذكية لخلافات والديه؛ أن مشاعر الغضب مسموح بها؛ لأنها لا تؤذي أحدًا، وأن الإحساس ما لم يرتبط بفعل فهو ما زال في نطاق المسموح، كما أنه يتعلم أن الاختلاف في الرأي يفترض ألا يفسد للود قضية.
ما هو التصرف السليم عند خلافات الوالدين؟
1ـ عدم التعرض لنقاط الخلاف أمام الأبناء.
2ـ إن حدث وعلموا بالخلاف، نُخبرهم أن الخلاف بين أي شخصين أمر عرضي وطبيعي.
3ـ عدم إطالة فترة الخلاف مهما كانت الأسباب.
4ـ محاولة إخفاء آثار الخلاف وممارسة الوالدين للحياة كالمعتاد.
5ـ محاولة صرف نظر الأبناء عن الخلاف بإشاعة جو المرح، أو الخروج للتنزه أو ممارسة أعمال جماعية.
6ـ يحب عدم إظهار الخلاف عمليًّا للأبناء؛ فلا يترك أحد الأبوين حجرة النوم لينام في حجرة أخرى، أو أن تبكي الأم أو أن تجلس واجمة صامتة.
7ـ يتوجب على الزوجين أن يحاولا بكل الوسائل من أجل منع هذه النزاعات، وأن يتفقا على التزام الهدوء وعدم الجدل أمام الأولاد، وتأجيل الحديث لوقت لا يوجد فيه الأبناء، ويكون الطرفان في حالة هدوء، واتزان، وموضوعية، وتركيز.
8ـ لابد من تجنب الإهانات تمامًا باللفظ أو الحركة؛ فتلك الإهانات تصيب الحالة العاطفية للطرف المهان بنوع من الشروخ يصعب إصلاحها، إضافة إلى ما يصل للطفل من مشاعر سلبية تُدمِّر اطمئنانه لزمن بعيد، كما يستمر إحساس الطرف المهان بالعار والخجل، مما لا يمكن إزالة آثاره لوقت بعيد.
9ـ لابد من السيطرة على الانفعالات في موقف الغضب كي لا تفلت الأمور، مع ضرورة تأجيل المناقشة في الأمور التي لا يجب أن يسمعها الأبناء لوقت لاحق.
10ـ الأخذ في الاعتبار أن قرار تأجيل المناقشة، يعني تجنب إصدار الهمهمات والغمغمات الساخطة المشمئزة، التي تَنمُ عن الكراهية بلا صوت، فإن ذلك يثير شكوك الأبناء وقلقهم وتوقعهم للكوارث.
11ـ لابد من إفهام الأطفال أن الحب هو الأصل في علاقة والديه مع بعضيهما، وأن كلاًّ منهما يحترم الآخر، ويخشى عليه من كل سوء، وأن كل مشكلة تأخذ وقتها وتنتهي، ويتجلى ذلك بالتعبير اللفظي عن هذه الرسالة، والعملي من خلال تعاملات الوالدين الهادئة والناضجة.
12ـ ينبغي ألا يسمع الأبناء أصوات الصراخ والغضب من خلف الباب المغلق؛ بل يُفضِّل أن تكون المناقشة بلا مؤثرات صوتية خلف الأبواب المغلقة.
13ـ وبدلاً من الصراخ الأعمى فليكن الخلاف فرصة لتنفيذ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الغضب؛ كالوضوء والصلاة والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ويا حبذا لو استطاع أحد الوالدين المبادرة بتغيير جو الخلاف، باقتراح تغيير الحالة: كالخروج في نزهة، أو ممارسة لعبة، أو تناول أكلة تُهدِّئ وتلطف الأجواء، أو التعامل بمرح، أو إنهاء الخلاف سريعًا لتقليل شعور الأبناء بألم الخلاف، مع اقتراح آليات لإرجاء المناقشة، ومحاولة الطرف الهادئ تطييب خاطر الغاضب بشكل يعلن الاحترام له، ولحالته الشعورية.
14ـ لا داعي أن يلعب أحد الوالدين دور الشهيد المغلوب على أمره؛ لكيلا يمتلئ الأبناء قلقًا وضيقًا نحو واحد من اثنين يراهما أعز وأغلى ما يملك، أو يتحوَّل إلى مستغلٍّ لهذه الحالة لمناصرة أحد الأطراف للحصول على مغانم خاصة به.
15ـ يجب ألا يتحوَّل الآباء إلى مفسرين لسلوكهم باستمرار، ويتحول الأبناء إلى قضاة، بل يُفضِّل تقليل الخلافات قدر المستطاع.
لاشك أن المرونة مطلوبة لحياة أكثر إشراقًا، وصاحب مبادرة الحل وعلاج الخلاف ليس الطرف الخاسر بأي حال؛ بل هو صاحب الفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الذى يبدأ بالسلام) [متفق عليه].
ترشيد الغضب:
(إن للسيطرة على أعصابك تأثيرًا مهمًّا على ضبط سلوك أطفالك, فالخلافات يمكن حلها دون غضب، وإذا حافظت على هدوءك سيكون اتصالك بأطفالك أكثر فاعلية كما سيكون عقابك لهم فاعلاً, كذلك وحين تصبح مثلاً أعلى للسيطرة على النفس؛ سيتعلَّم أطفالك منك بشكل أكثر وأفضل.
وينبغي عدم التركيز على الأشياء التافهة؛ فالسلوكيات السيئة البسيطة تستحق أن يُلفت النظر إليها، لكن ليس في جميع الأوقات, فإذا كنت تتعقب زلات طفلك تافهة كانت أو كبيرة؛ فسوف تصنع طفلاً لا يتمتع بأي نوع من الثقة بنفسه, يشعر بالاضطهاد والذل, فإذا كان لا يستطيع إرضاءك أبدًا؛ فسوف يكف عن محاولة ذلك، وستكون أكبر الخاسرين.
وبما أن الأطفال الملائكيين الذين لا يرتكبون أي خطأ غير موجودين, إذًا ابحث عن روح الدعابة والمرح وتَغَاضَ عن الأشياء التافهة, ووفِّر عقابك واهتمامك للأشياء الكبيرة التي تستحق ذلك.
وثورة الأم على طفلها وصراخها في وجهه عندما يرتكب خطأ ما؛ لن يصل بها إلى نتيجة إيجابية لتحسين سلوكه، إذ تفقد هذه الأم هيبتها وقوة تأثيرها على طفلها بهذا الأسلوب، الذي سيتعود عليه ويواصل فعله الخاطئ.
إن الصراع والصياح في وجه الطفل عندما يخطئ دليل على ضعف المربي، وإعلانه لفشله تجاه طفله، الذي ما زال إنسانًا يتشكل ويتعلم وينضج عقله.
وتذكر ـ أخي المربي ـ أن العصبية الزائدة تستهلك الجهاز العصبي وتتلفه؛ ولذا فإن أي حالة غضب سلبي تعتبر هدرًا للطاقة، التي يمكن توظيفها فيما هو نافع, فالأطباء النفسانيون ينصحون بالاقتصاد في هذه الطاقة بتجنب المواقف التي تسببها؛ لأنها تسيء إساءة بالغة للمزاج الصحي العام؛ لأن الغضب المحتدم يسمم الجسم ويصيبه أو يصيب بعض أجهزته بأمراض خطيرة كالقرحة المعوية.
وتذكر أن الغرض من التأديب، هو أن تجعل الأبناء يفكرون في سلوكهم الخاطئ، وليس سلوكك أنت, فإذا كنت مستعدًّا للانفجار، مثل: البركان في أي لحظة، فلن تكون محاولات التأديب التي تقوم بها أكثر من مجرد طريقة، تتخلص بها من توترك، ولن يستفيد أبناؤك شيئًا جديدًا, ولذلك ننصحك ألا توجه ابنك وأنت منفعل غضبان؛ حتى لا تخرج منك ألفاظ لا يحتملها الموقف, وحتى تكون متزنًا في توجيهاتك عادلاً في حكمك فلا تنتقم لنفسك؛ فإن الحب والتسامح والابتسامة أقوى من الغضب والانفعال.
ننصح المربين دائمًا أن يتكلفوا الغضب، أي يتغاضبون ولا يغضبون، وبينهما بون شاسع وفرق كبير, فالذي يستفزه الصغير فيغضب نجده يزيد في العقاب، ويعاقب أكثر من الخطأ المرتكب، وينتقم لنفسه، ولا يسهل عليه الرجوع، إن اعتذر الصغير معلنًا العزم على عدم العودة لهذا الخطأ.
أما إذا قام بتمثيل الغضب والتجهم فهذا يضبط معه ردود أفعاله، ولا يخرجه غضبه عن حلمه، وبالتالي يتصرف كالأسوياء فيعاقب على قدر الخطأ، ويقبل اعتذار الصغير عما فعل, فمثلما يتقبل أطفالنا اعتذارنا عندما نخطئ في حقهم علينا نحن أيضًا أن نقبل اعتذارهم فهل يفعل كل الآباء ذلك؟! لا أعتقد، إذ لا يمنح كثير منهم طفله فرصة للاعتذار حتى يقوم بتحسين سلوكه رغم احتياج الأبناء إلى حضن دافئ ووجه مبتسم دائمًا, حتى ولو كنت خارجًا من معركة حامية الوطيس فيجب عليك أن تُغيِّر من ملامحك فورًا، مهما كلفك هذا من جهد) [أحسن مربي في العالم, محمد سعيد مرسي, ص(83)].
المصادر:
·أحسن مربي في العالم, محمد سعيد مرسي.
·دليل د.سبوك لرعاية الطفل, د.بنجامين سبوك.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً