اللين وتربية الأبناء

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

 

الأب في غلظة: يا مازن إنك ولد غبي، ألم أقل لك أن تغلق الباب بهدوء.
مازن: أنا آسف يا أبي.
الأب: لا أريد أسفك، إنك تستحق الضرب حتى لا تعود لمثل هذا السلوك مرة أخرى.
وقام الأب بالجري وراء مازن في البيت، حتى أمسك به وضربه بيده على وجهه، فانهالت الدموع من مازن المسكين.
بعض الآباء يظن أن الطفل حينما يتربى من صغره على الغلظة والشدة، والضرب، حينما يكبر يكون إنسانًا صالحًا، وهؤلاء الآباء لا يستحقوا أن يطلق عليهم مربين، بل إنهم يصنعون أطفالًا عبيدًا.
(فإن الناس ينفرون من الكثيف، ولو بلغ في الدين ما بلغ، والمربي يجب أن يكون من أحلى الناس وألطفهم وأطرفهم، بل وأكرمهم وألينهم) [تهذيب مدارج السالكين، عبد المنعم صالح العزى، ص(576)].
المعلِّم الأول واللين:
لم نعرف عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، أنه قام بتعديل سلوك صحابي من أصحابه بالضرب أو العنف، بل إن سمته كان اللين والرفق، وحسن الخلق، فعن أنس رضي الله عنه قال: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبابًا ولا فحاشًا ولا لعانًا، كان يقول لأحدنا عند المعاتبة: “ماله تربت جبينه”) [رواه البخاري].
وكلما كان المربي لينًا في حديثه مع المتربين، وغير جارح في خطابه، ينتقي الكلمات اللطيفة والأجوبة الرفيقة كلما كان متفاعلًا محبوبًا، فعن جابر رضي الله عنه قال: (ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط، فقال: لا) [رواه البخاري]، وعن أنس رضي الله عنه قال: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أف قط، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت؟) [رواه البخاري].
وها هي أم المؤمنين عائشة تؤكد لنا لين ورفق النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قط ضاحكًا حتى أرى منه لهواته ؟ أينما كان بتسم) [رواه البخاري].
وقد نصح النبي النبي صلى الله عليه وسلم حنظلة مشفقًا عليه: (ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) [رواه مسلم].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير ما فعل النغير) [رواه البخاري].
وعن عائشة قالت: (دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم قالت وليست بمغنيين، فقال أبو بكر بمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا أبا بكر إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا) [رواه مسلم].
وعن عائشة قالت: (كان الحبش يلعبون بحرامهم فسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنجرف فأقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو) [رواه البخاري].
وقد ورد في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يحمل الحسن والحسين على كتفيه ويلاعبهما، فكان مبدأه صلى الله عليه وسلم في التربية هو اللين والرفق، واللعب مع الأطفال، ولذا يجب عليك أيها الوالد أن تقتدي بنبيك الكريم وأنت تربي أولادك، فعلى المربي (أن يأذن لتلميذه بعد الانصراف من الكتَّاب أن يلعب لعبًا جميلًا يستريح إليه من تعب المكتب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعليم دائمًا يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه) [إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، (3/71)].
اللعب والتربية:
من عناصر التربية باللين، أن تتيح لولدك الفرصة لكي يلعب ويرفه عن نفسه قليلًا، فاللعب هام جدًا بالنسبة للطفل، وإن من علامات الصحة النفسية للطفل أن يأخذ وقته في اللعب والمرح، حتى يفرغ الشحنة والطاقة الكبيرة التي تكون بداخله.
فإن (اللعب في الطفولة وسيط تربوي هام يعمل على تكوين الطفل في هذه المرحلة الحاسمة في النمو الإنساني، وهو قادر على إشباع الحاجات الأساسية عند الطفل.
كما أن اللعب يعد تدريب وإعداد للحياة المستقبلية، كما أنه يكسب الطفل الكثير من المهارات الحركية، وقدرة على فهم العالم المادي، والقدرة على التعامل مع الآخرين.
كما يتعلم الطفل عن طريق اللعب عادات التحكم في الذات، والتعاون، والثقة بالنفس، والألعاب تضفي على نفسيته البهجة والسرور، وتنمي مواهبه وقدراته على الإبداع.
ومن خلال اللعب يتحقق النمو النفسي والعقلي والاجتماعي والانفعالي للطفل بشكل سليم) [اللعب وبناء شخصية طفلك، عاطف أبو العيد، صاللين وتربية الأبناء].
فوائد اللعب:
يؤكد الدكتور عبد المجيد طعيمة على أهمية اللعب، من خلال توضيح الفوائد التي يجنيها الطفل من خلال اللعب، فيقول: (فيقول: للعب فوائد كثيرة، منها: القيمة التوبوية: حيث يعرف الطفل من خلال اللعب الأشكال المختلفة والألوان والأحجام، وهناك القيمة الاجتماعية: إذ يتعلم من خلال اللعب كيف يبني علاقات مع الآخرين بنحو ناجح، وأيضًا هناك القيمة الخُلقية: حيث يتعلم الطفل مفهوم الخطأ والصواب والعدل والصدق، وهناك كذلك القيمة الإبداعية: حيث يجرّب أفكاره وينمي أساليبه، وأيضًا توجد القيمة الذاتية: إذ يحدد الطفل خلال اللعب إمكاناته وطاقاته، وأخيرًا القيمة العلاجيه النفسيه: حيث يصرف عن ذاته الشعور بالتوتر، كما يصرف ويتحرر من بعض القيود) [التربية الإسلامية للأولاد منهجًا وهدفًا وأسلوبًا، عبد المجيد طعمه حلبي، ص (87)].
أمور توضع في الاعتبار أثناء لعب الطفل:
هناك عدة أمور يجب أن تضعها في اعتبارك أيها الوالد حتى تتيح لولدك فرصة للعب فمنها:
ـ ألا تتدخل في لعب الطفل، بأن تفرض عليه لعبة معينة.
ـ شارك ولدك وهو يلعب (سواء أكان لعب الطفل مجرد دحرجة الكرة للطفل الوليد، أم إبداء الإعجاب بتطريز البنت، أم إضافة الخطوط السريعة إلى رسمها، أم مشاركة البنت وهي تلعب لعبة العروسة، وتتعلم منها آداب الحديث والطعام والاستئذان، أم مشاركة أفراد الأسرة في لعبة ما، فكثير من نشاط الأطفال، يغدو أكثر امتاعًا لو أن الآباء شاركوهم فيه) [الإنصات الانعكاسي، محمد ديماس، ص(43-45)].
ـ شجع ولدك على ممارسة الرياضة، مثل المشي، الجري، كرة القدم، ومن الأفضل أن تشترك له في نادي من النوادي.
التربية باللين وروح الدعابة:
قد يستغرب بعض الآباء، من أن يجد والدًا يمازح ابنه ويضحك معه، بل إن روح الدعابة والمزاح تساعد الأطفال على التغلب عى متاعب الغضب والإحراج، فمن مظاهر الدعابة، أن يدع الوالد طفله الرضيع أن يمسك أنفه، وغيرها من الوسائل التي تنشر روح الدعابة بين المربي والمتربي.
وما من شك أن التواصل عبر الكلمات هو أحد الوسائل التي يستطيع بها الوالد أن يكسب ولده، فإيماءات الوجه وتعابيره والالتفاتات، ونغمة الصوت كلها تساهم في تربية الطفل (فإذا كان المربي لا يقطِّب جبينه عند الغضب، ويبتهج ويتورده خده عند الموقف السار، فلن يشعر الأطفال بفعالية تجاه القصة أو الموضع، وما فيه من توجيهات ومعان تربوية، كذلك الإشارة باليدين ونظرات العينين تدل على بعض المعاني التي لا يمكن أن يعبر عنها بالكلمات، وتقوم بالتأثير على المتربين وإقناعهم، فإن تقمص الموقف والتعبير الطبيعي للحركات التي يتطلبها الموقف، يكون له دوور فعال في التأثير والإقناع أكثر من الاستعانة بالعبارات البليغة، فظهور الانفعالات كالغضب والاستنكار والألم والمعاناة، وبروز العواطف كالحب والإعجاب والرضى في تعابير الوجه كتقطيب الجبين وانبساطه، وفي حركة اليدين والعينين، فتقمص المحدث لتلك الانفعالات والعواطف من شأنه إحداث التأثير الجيد لدى المتربي) [فنون الحوار والإقناع، محمد ديماس، ص(77)].
معاشر الآباء:
إن المربي الحاذق هو الذي يربي أولاده على التبسم والنظرة الرحيمة، ويقوم بتأسيس علاقة بالغة العاطفة بينه وبين ولده من خلال ذلك، فنجده يضم ابنه إلى صدره ويحتضنه ويقوم بتقبيله كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أولاد المسلمين، ويقوم بملاعبته ويصبر على ما يصدر منه من خطأ أو تصرف غير مناسب، وكم يُسَر الأبناء حين يرون مربيهم ومرشدهم لا تفاق الابتسامه ثغره، ولا تجافي المباسطة مجلسه، وكم يستشعرون محبته لهم حين يرون معاملته اللينة وخلقه العظيم.
ورقة عمل:
ـ ليكن اللين والرفق شعارك وأنت تربي أولادك، ولا يعني هذا التهاون والتساهل مع الأبناء وأخطائهم، ولكن ليكن هناك تدرج في التربية، فإذا لم ينفع أسلوب اللين والنصح مع طفلك لتصحيح سلوكه، فانتهج أسلوب الحرمان من الامتيازات، فلا يكون أسلوب الضرب إلا حينما تكون مضطرًا، كاضطرار المسلم لأكل لحمة الميتة خشية الهلكة.
ـ أتح فرصة لولدك كي يلعب ويقوم بالترفيه عن نفسه، من خلال اللعب مع أصدقائه، أو ممارسة الرياضة.
المصادر:
· فنون الحوار والإقناع، محمد ديماس.
· تهذيب مدارج السالكين، عبد المنعم صالح العزى.
· إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي.
· الإنصات الانعكاسي، محمد ديماس.
· التربية الإسلامية للأولاد منهجًا وهدفًا وأسلوبًا، عبد المجيد طعمه حلبي.
‫0 تعليق

اترك تعليقاً