لا شك في أنّ الرضاعة هي تجربة سارة للأُم. ولكن هذا لا يعني أن عليها الاستمرار في إرضاع طفلها لمدة تزيد على السنة، أو السنتين كحدٍّ أقصى.
إذا أراد الطفل أن يأخذ المبادرة ويتوقف عن الرضاعة، على الأُم ألا تعتبر أن في ذلك رفضاً لها، فهو يرفض مرحلة الطفولة التي كبر عليها، ويرغب في التقدم نحو الاستقلالية. ومهما يكن الأمر مزعجاً للأُم، عليها أن تدرك أن على طفلها اتخاذ مثل هذه الخطوة يوماً ما. من الناحية المثالية، يستمر الطفل في الرضاعة إلى أن يصبح في عمر يستطيع فيه الاستغناء عن حليب الأُم. أي عندما يفطم نفسه بنفسه. أما من الناحية الفعلية، تبدأ عملية الفطام منذ لحظة تقديم أطعمة للطفل غير حليب الأُم.
يجب أن يكون الفطام عملية وليس حدثاً. أي يجب أن يحدث تدريجياً وليس فجأة، فربما تستغرق عملية الفطام أياماً، وأسابيع، أو أشهراً. في جميع الأحوال، على الأُم أن تتجنب دائماً الفطام الفجائي، وذلك لمصلحتها ومصلحة طفلها أيضاً. فإذا توقفت الأُم فجأة عن إرضاع طفلها، يحتقن الحليب في ثديها فيلتهب، أو يتحول الحليب الذي يجمد في ثديها إلى دُمّل، كما تهبط مستويات الهرمون في جسمها فتصاب بالاكتئاب، إضافة إلى الآلام الشديدة التي تعانيها، كما أنّ الفطام الفجائي يسبب صدمة عاطفية للطفل، لأنّ الرضاعة تمنحه الشعور بالحميمية نتيجة التصاق جسده بجسد الأُم. وبما أنّ الرضاعة ليست مصدر طعام للطفل فقط، لكنها مصدر للأمان والراحة العاطفية أيضاً. لذا، فإنّ التوقف عنها فجأة يمكن أن يُزعج الطفل جدّاً ويقلقه. إذ من المستحيل الشرح للطفل لماذا لم يعد في إمكانه الرضاعة فجأة، إضافة إلى أنّ الفطام التدريجي يسمح للأُم بإيجاد وسائل أخرى غير الرضاعة (العناق، حمله في حضنها، اللعب معه… إلخ) تستطيع من خلالها التعبير للطفل عن اهتمامها به، وأن تعوضه عن الحميمية التي يفتقدها.
من خلال كل ما تقدم، فإنّ لإطالة مدة الرضاعة فوائد عديدة جدّاً، في حين أن للفطام المبكر فوائد محدودة جدّاً. إن إرضاع الطفل لمدة سنة أو أكثر فيه الكثير من المنافع للأُم والطفل معاً. فإذا قررت الأُم الاستمرار في إرضاع طفلها إلى أن يفطم نفسه بنفسه، عليها أن لا تستمع لكل ما يقال لها حول هذا الموضوع. إذ يمكن أن يقال إن طفلها سيستمر في الاعتماد عليها كلية حتى بعدما يكبر. وهذا كلام غير صحيح إطلاقاً. فقد دلت معظم الدراسات التي أجريت بهذا الشأن، على أنّ الأطفال الذين أُرضعوا لفترة طويلة هم الأقل اعتماداً على الأهل، لأنهم يكونون قد حصلوا على احتياجاتهم من الشعور بالأمان عندما كانوا أطفالاً رضعاً، ويميلون إلى الانفصال عن الأُم بسهولة أكثر، ويستطيعون إقامة علاقات ثابتة ومتينة بسهولة أكبر.
إن توقيت الفطام مهم جدّاً. وبما أنّ الأُم هي خير من يعرف هذا المخلوق الصغير، وتعرف متى يكون مستعداً للفطام والانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات معها. لذا، يمكنها اتخاذ مثل هذه الخطوة في الوقت المناسب لها ولطفلها. فإذا لم يكن الطفل سعيداً، وكانت الأُم تعاني ضغطاً شديداً، ولم تكن تستمتع بالوقت الذي تمضيه في إرضاع طفلها، عليها أن تبدأ حالاً في فطامه. إذا استقر رأي الأُم على الفطام المبكر، لأن ذلك أفضل لها ولطفلها، عليها أخذ النصائح التالية في الاعتبار:
· أن تحاول فطام الطفل تدريجياً، وذلك بحذف وجبة واحدة كل يوم وعلى مدى أيام عديدة، لتسمح لحليبها بأن يخف تدريجياً. بعد أسابيع قليلة، عليها أن تكتفي بإرضاع طفلها مرتين في اليوم فقط، واحدة في الصباح عند استيقاظه، والأخرى قبل النوم في المساء. وإذا لم تكن الأُم في عجلة من أمرها، يمكنها أن تستمر في إرضاع طفلها هاتين الوجبتين لمدة أسبوع أو أسبوعين آخرين.
· أن تسأل الطبيب عن الحليب البديل يجب إعطاؤه للطفل. وبما أنها لا تستطيع إعطاء طفلها حليب البقر قبل أن يكون مستعداً لتناوله، في العادة لا يستطيع الأطفال شرب حليب البقر إلا بعد بلوغهم السنة من عمرهم، فمن المهم إيجاد الحليب البديل المناسب. وبما أنّ المص ضروري للطفل لتقوية عضلات الفم، يمكن للأُم أم تقدم له البديل عن ثديها (قنينة أو مصاصة). قد يمص الطفل إصبعه، وهنا على الأُم أن لا تحاول منعه، لأنّه عندما يمص إصبعه فهو يعمل على تهدئة نفسه بنفسه. إضافة إلى ذلك، فإنّ الطفل الذي يمص إصبعه ينام أفضل من الأطفال الذين يعتمدون على المصاصة أو القنينة.
· على الأُم أن تضم طفلها إلى صدرها دائماً. قد يميل بعض الأُمّهات إلى تجنب معانقة أطفالهنّ بعد الفطام، بحجة أنّ الأطفال يربطن الرضاعة بالمعانقة. ومع ذلك من المهم أن تضم الأُم طفلها إلى صدرها، بحيث يلامس جسدها جسده. فمثل هذه الملامسة لن تؤثر في فطام الطفل أبداً، بل تمنحه الشعور بالراحة والأمان اللذين يحتاج إليهما بعد الفطام، لأنه لو تُرك الخيار للأطفال لفَطَم معظمهم أنفسهم تدريجياً منذ اللحظة، التي تقدم فيها الأُم طعاماً جامداً لهم.
· على الأُم أن تحرص على تقديم ما يكفي من طعام وشراب لطفلها، حتى لا يشعر بالجوع أو العطش، فيطالب بإرضاعه. ويجب ألا يغيب عن بالها أنّ الطفل لا يرضع لشعوره بالجوع فقط، بل لأسباب أخرى عديدة، من بينها شعوره بالملل، أو الحاجة إلى الراحة العاطفية، أو إلى النوم، فإذا كان لطفل يريد أن يرضع لأنّه يشعر بالملل، عليها أن تلهيه بوجبة خفيفة، أو أن تخرج به من المنزل، أو أن تلعب معه، أو تقرأ له قصة.
· على الأُم إشراك الأب في عملية الفطام. مثلاً إذا قام الطفل من نومه ليلاً، على الأب أن يقوم هو بوضعه في فراشه والبقاء إلى جانبه إلى أن يعود إلى النوم، أو أن يحمله من فراشه عندما يستيقظ في الصباح بدلاً منها، وأن يحاول تقديم طعام الفطور له. أما في حال رفض الطفل كل محاولات الأب، على الأُم أن تستمر في إرضاع طفلها رضعتي قبل النوم والصباح، لأسابيع أخرى بدلاً من إجباره على الفطام.
0 تعليق