ابناؤنا وذو الحجة _ ابناؤنا وخير أيام الدنيا _ أبناؤنا وعشر ذي الحجة

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

 

 

إن نظرةً في واقع الكثير من الآباء والأمهات تُنبئك عن جهل كبير بفضائل ربط الطفل بالأوقات الفاضلة، ومن أكبر الأدلَّة على ذلك الغفلةُ عن اغتنام الأطفال لعشر ذي الحجة مع ما فيها من الأجر العظيم؛ مما يؤدِّي بهم إلى الحرمان.

 

والأمر الذي يحتاج إلى وقفة تأمُّل:
التباينُ الكبير بين كون الناس لا يهتمُّون بجعل أطفالهم يستشعرون فضل عشر ذي الحجة مع أنها أفضل أيام الدنيا، ولا يذكِّرونهم بفضل العمل الصالح فيها، وبين واقع الناس وحالهم مع شهر رمضان، ورغم أن هذه الأيام أعظم من أيام رمضان والعمل فيها أفضل، إلا أنه لا يحصل فيها من الاهتمام والعناية، حتى لو كان شيئًا يسيرًا مما يحصل في رمضان من النشاط للأطفال وتحفيزهم على العمل الصالح، ولا غرو أن رمضان تميَّز بميزات جعلته بتلك المكانة، ومن أعظمها تصفيد الشياطين؛ مما يكون له أعظم الأثر في نشاط الناس في العبادة، بينما في هذه العشر لا يكون هذا التصفيد إلا أنه يجب على كل مربٍّ أن يَقِفَ وقفة جادَّة مع نفسه؛ حتى يربط الطفل بهذه الأيام الفاضلة.

 

• • • • •

الاستعداد ليوم عرفة:
أولى لقاءاتنا كانت مع الأخت نوره محمد، معلمة في مدارس تحفيظ القرآن، بدأنا بسؤالها عن الطرق التي تتَّخذها لربط أطفالها بالعشر من ذي الحجة، فأجابت: أبدأ مع أطفالي قبل دخول عشر من ذي الحجة بربطهم نفسيًّا؛ حيث أقول لهم: إني سأنهي أعمالي وأتفرَّغ لهذه العشر حتى لا يفوتني فضلها، وأذكِّرهم بفضل يوم عرفة، وأن الله ميَّزه على غيره بأنه يوم أكمل الله به الدين وأتمَّه، وأن إكمال الدين في ذلك اليوم حصل؛ لأن المسلمين لم يكونوا قد حجوا حجة الإسلام من قبلُ، فكمُل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام، كما أبيِّن لهم أن صيام هذا اليوم يكفِّر سنتين كما بيَّن ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – وأحرِّضهم على صيام ذلك اليوم، وأجعل الإفطار على سفرة جماعية؛ حتى يستشعروا أن لهذا اليوم مزية وفضلاً.

بالفن والرسم حققت آمالي:
ثم شاركتنا الإجابة أمُّ ود ياسر فقالت: حيث إني أحب الرسم والأعمال الفنية فقد ربطت أطفالي بهذه العشر عن طريق عمل بعض الأعمال الفنية؛ مثل: مجسَّم مصغَّر للكعبة والجمرات، وبعض الرسوم، ثم أشرح لهم معناها وفضلها؛ لأُشعرهم بأن هذا الشهر ليس كغيره، وبذلك حقَّقت آمالي في ربط أبنائي بهذه العشر.

 

خيمة العشر:
كما شاركتنا أمُّ يعقوب ماجد قائلة: أمَّا أنا فأعمل خيمة لأطفالي في غرفة نومهم عبارة عن أقمشة بيضاء، تسمَّى خيمة الحج، أضع فيها مجموعةً من قصص الأنبياء، وخاصة قصة سيدنا إسماعيل – عليه السلام – ومصاحف، وكتبًا عن الحج، ونجلس داخل هذه الخيمة بشكلٍ يومي أيام العشر فأقص عليهم القصص، وأشرح لهم مناسك الحج بشكل مبسَّط،كما أبين لهم فوائد الذكر والتكبير، وقراءة القرآن الكريم، وأرسِّخ لديهم فضل هذه الأيام، وأنوِّع بذلك حتى لا يمَلُّوا، وبذلك أجعل أبنائي يعيشون أجواءً خاصة في هذه الأيام المباركة، خاصة وأنهم يفرحون بهذه الخيمة فرحًا شديدًا.

 

مدرسة عظيمة لكل طفل:
شاركتنا التحقيقَ أمُّ محمد الغامدي فبدأت حديثها قائلة: إني أحرص أشدَّ الحرص على يوم النحر فأوضح لأطفالي فضل هذا اليوم، وأنه يوم الحج الأكبر، وفيه تُنحر الأضاحي، كما أني أحبِّذ إشراك الأطفال في الأضحية مع بيان الأجر المترتِّب عليها، وكيف أن الله – سبحانه وتعالى – نجَّى إسماعيل – عليه السلام – من الذبح وفداه بالكبش، وأستغلُّ هذه الفترة لغرس القِيَم السامية التي في قصَّة إسماعيل – عليه السلام – من برٍّ للوالدين، وتوكُّل على الله، وصدق، ويقين بالله؛ ليتحلَّى الطفل بها، فإن هذه الأيام مدرسة عظيمة لكل طفل.

 

إحياء سنة مهجورة:
أمُّ محمد الحياني: يجب تعويد الطفل على التكبير في هذه الأيام، وبيان أنها من السنن المهجورة، وأنه بتكبيره في هذه الأيام فإنه يكسب أجرَ إحياء سنة مهجورة من سنن النبي – صلى الله عليه وسلم.

 

تطبيق عملي للحج:
سناء مشرفة رياض أطفال: نحن نربط الأطفال بهذه الشعيرة العظيمة عن طريق عمل تطبيق الحج بصورة مبسَّطة مع الطفل، فنجعل أركانًا في المدرسة، وفي كل ركن نضع مَنسكًا من مناسك الحج مصغَّرًا ونجعل الأطفال يتنقَّلون بينها ويتعرَّفون عليها، وهم يلبسون ملابس الحج، وبذلك يعيش الأطفال مع هذه المناسك، مما يكون له الأثر العظيم في تعليمهم ومحبتهم لهذا المنسك، وقد وقفت بنفسي على ذلك الأثر في طلابي.

 

الحج في قلوب أطفالي:
أمُّ عبدالعزيز أنس: لقد ربطتُ أبنائي بالحج، وجعلته في قلوبهم رغم صِغَر سنِّهم، وذلك عن طريق التلفاز، فعند مشاهدة أبنائي للمناسك أبدأ بشرحها، وتوضيح أجرها وفضلها، كما أني أشتري لهم القصص التي تحوي على صُوَر توضيحية لمناسك الحج؛ لتثبت المعلومات لديهم، وتتشرَّب قلوبهم حبَّ هذه الفريضة.

 

أميِّز شهر ذي الحجة:
أحد المشاركات قالت صاحبتُها: عوَّدت أطفالي على مكانة هذا الشهر عن طريق شرح فضل العبادات، وأظهرتُ لهم القدوةَ في زيادة ممارستي للعبادة أمامهم، كما أعدُّ لهم الشهور، ثم أميِّز شهر ذي الحجة عن غيره عن طريق تلوين شهر ذي الحجة، كما أحكي لهم عن شعائر الحج؛ وبذلك ينشَؤون على أن هذا الشهر له قدسية لا يحملها شهر غيره.

 

دَيْدَن السلف الصالح مع أبنائهم:
وقد شاركَنا المستشارُ الأسري والتربوي الشيخ عادل بن سعد الخوفي مشكورًا فقال: جاء عن ابنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: “أَدِّبِ ابْنَكَ فَإِنَّكَ مسؤول عَنْهُ: مَاذَا أَدَّبْتَهُ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ؟ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ”[1] ، وقال بعض العلماء: “اللَّهَ – سُبْحَانَهُ – يَسْأَل الْوَالِدَ عَنْ وَلَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَبْل أَنْ يَسْأَل الْوَلَدَ عَنْ وَالِدِهِ”[2] .

 

لقد كان دَيدَنُ السلف الصالح في تربيتهم لأولادهم بناء معتقدهم، وتنمية مهاراتهم وقدراتهم، وتحصينهم ضدَّ الشهوات والشبهات، وتأهيلهم للأعمال الجليلة، والواجبات الشرعية، والسلوكيات الحميدة، وقد وردت النصوص في تأكيد ذلك وبيانه، جاء عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَت: “أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ: ((مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ))، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ – إِنْ شَاءَ اللَّهُ – وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ”[3].

 

هكذا كانوا، وهكذا ينبغي أن نكون مع أطفالنا في خير أيام الدنيا؛ عشر ذي الحجة، يقول – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشرة))، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء))[4].

 

وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه العشر، فأكثِروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد))[5].

 

قال الإمام ابن حجر: “الْمُرَادَ أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ، سَوَاءٌ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لاَ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الْجُمُعَةِ فِي غَيْرِهِ؛ لاجْتِمَاعِ الْفَضْلَيْنِ فِيهِ”[6].

 

فهل ترى من النَّجابة في شيء أن نُفوِّتَ أيامًا عظيمة كهذه الأيام، دون أن ننقش من آثارها على أولادنا، فيشبّ أحدهم وقد اعتاد القيام بشعائر الإسلام، وتمرَّس على واجباته ومستحبَّاته، ونشأ وقد وقَرَ في قلبه عظمة ما نُعظِّمه، وصارت أعظم الأشياء عنده ما نعتقده، متين المعتقد، سليم القلب، طاهر اللسان، شابًّا صالحًا، وعضوًا نافعًا في المجتمع؟!

 

إننا لنُحَقِّقَ هذه الخِصال مع أطفالنا في أعظم الأيام عند الله، ينبغي أن تكون لنا خُطوات أسرية إيمانية مدروسة، نستجلبُ بها رحمة الكريم المنَّان، ونؤكِّد فيها التقارُب معهم، ونرسم أهدافًا سامية يسعى الجميع إلى تحقيقها في دنياه لعمارة آخرته وبنائها.
‫0 تعليق

اترك تعليقاً