لا تكن قُفلا

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

اعلم أن الرفق ضد العنف والغلظة والشدة، فهو يفيد معاني اللين واليسر والتُّؤَدة والصبر والحِلم والمحبة والرحمة، قال الله تعالى رضا بخُلق رسوله المجتبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ فبما رحمةٍ من الله لِ** لهم ولو ك** فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله﴾ [1]، وتذكر رد النبي صلى الله عليه وسلم على الأقرع بن جابس -الذي رُزق عشرة من الولد ولم يُقَبِّل منهم أحد- بقوله: “من لا يَرحَم لا يُرحَم” .
الرفق زين

قال المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ” [2]. وقال مخاطبًا أمنا عائشة رضي الله عنها: “عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ فَإِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ” [3]. الرفق مزية وزَيْن، والعنف منقصة وشَيْن. فلا تعنف على ابنك حتى يخاف منك وتتبدى له وكأنك وحشٌ لا يرحم، وتذَكَّر وصية النبي صلى الله عليه وسلم: “من لا يَرحَم لا يُرحَم” .
وتأمل هذه القصة العظيمة الفائدة إلى درجة أنها تصدم أصحاب القلوب الغليظة التي تدعي أن الاستقامة والوقار يتناقض مع التصابي للصغار والنزول عند حاجتهم وتلبية طلباتهم. يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو على منبره يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من على المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: “رأيت هذين يمشيان ويعثران في قميصهما فلم أصبر حتى نزلت فحملتهما” [4].
من الرفق إذن ملاعبة الطفل ومداعبة وحثه على اللعب ليبعد عنه الخمول والكسل وأتعاب الدروس، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالصبية سواء كانوا ذكورا أو إناثاً يقبلهم ويمسح على رؤوسهم ويدعو لهم ويداعبهم، وكان إذا دخلت عليه فاطمة فرح بها وقال: مرحباً با ب**ي، وخرج يوماً يصلي بالناس وهو يحمل أُمامة ب**ُ ب**ه زينب عليها السلام، فكان إذا ركع وضعها وإذا قام حملها. رحمة وقدوة وتعليما. وقد قال أحد الآباء موصيا أبناءه: “يا بَني العبوا فإن المروءة لا تكون إلا بعد اللعب” . وقال بن مسكويه في تهذيب الأخلاق: “مَنْعُ الصبي مِن اللعب وإرهاقه بالتعلم دائماً، يُميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه.”
لا تكن قُفلا

حبِّب لأبنائك الدين والعلم وحُسن الخلق برفقٍ، واغرس في قلوبهم الإيمان ببِشْرٍ، ربِّهم على خصال حُب الله وحُب رسوله صلى الله عليه وسلم، حافظ لهم على الفطرة فهي أغلى ما يملكون. اتركهم يأخذوا حقهم من اللعب، فلعب الولد جد، بل ساعدهم وأبدأ اهتمامك بإنجازاتهم في اللعب وشجعهم على الإبداع، ولا تكن عليهم قُفلا غليظا. لهذا قيل: من كان له صبّي فليستصب له.
المربي الرفيق هو الذي ينوِّع الأساليب ويُحسن استثمار الأوقات والمناسبات، ويغض الطرف عن الهنات والعثرات، ويعالج الأخطاء بحكمة ورحمة، ولا يعيِّر أحدا بلقبِ مكروه، ولا يجْهِز على الغير في حال الضعف أو الفشل، بل يُنهض ويحفز ويواسي ويُعين. المربي حليم كريم، كاظم للغيظ.
لا تكن قاسيا ولا جافيا، فالقسوة تورث الخوف والجبن والاضطراب النفسي والخجل والتردد، والعنف على الأطفال يجعلهم يبتعدون عن الآباء ويفضلون غيابهم، أو كما قال الأحنف بن قيس في نصيحته: “لا تكن عليهم قفلا فيتمنّوا موتك ويكرهوا قُربك ويملُّوا حياتك” . وإذا رأيت ما لا يعجبك ﴿ فاصفح الصفح الج***﴾ [5]، ولا تُكثر العتاب ولا تفْرط في العقاب. ومن ستر مسلما ستره الله، وأولى الناس بالستر أهل بيتك. وتذكر حكمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “شدةٌ في غير عنف ولينٌ في غير ضَعف.”
إذا أُكره القلب عمي

لا تقمع طفلك ولا تُعنِّف عليه، وتذكر قول الحبيب المربي صلى الله عليه وسلم: “.. وما دخل العنف في شيء إلا شانه” ، وقد توصل خبراء التربية إلى أن الضرب لا يؤدي إلى إزاحة السلوك المرفوض المعاقب عليه ولا إلى محوه نهائيا وإنما إلى تصريفه بطرق عنيفة وأكثر حدة. فالطفل الذي يُضرب كثيرا يفضل الانعزال عن والديه، ليأكل وحده وينام وحده ويجلس وحده، ويمكن أن تصل بعض الحالات إلى الانطواء أو الانحراف. إن القلب إذا أُكره عمي. ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [6].

[1] سورة آل عمران، الآية 153. [2] رواه مسلم -واللفظ له- والترمذي وأحمد رحمهم الله. [3] رواه مسلم رحمه الله. [4] رواه النسائي. [5] سورة الحجر، الآية 85. [6] سورة الحج، 46.
قُفلا

‫0 تعليق

اترك تعليقاً